الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)
.فصل هَلْ رِدّ السّلَامِ فَرْضُ كِفَايَةٍ: وَيُذْكَرُ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ يُجْزِئُ عَنْ الْجَمَاعَةِ إذَا مَرّوا أَنْ يُسَلّمَ أَحَدُهُمْ وَيُجْزِئُ عَنْ الْجُلُوسِ أَنْ يَرُدّ أَحَدُهُم فَذَهَبَ إلَى هَذَا الْحَدِيثِ مَنْ قَالَ إنّ الرّدّ فَرْضُ كِفَايَةٍ يَقُومُ فِيهِ الْوَاحِدُ مَقَامَ الْجَمِيعِ لَكِنْ مَا أَحْسَنَهُ لَوْ كَانَ ثَابِتًا، فَإِنّ هَذَا الْحَدِيثَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ رِوَايَةِ سَعِيدِ بْنِ خَالِدٍ الْخُزَاعِيّ الْمَدَنِيّ. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرّازِيّ مَدَنِيّ ضَعِيفٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرّازِيّ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ وَقَالَ الْبُخَارِيّ فِيهِ نَظَرٌ. وَقَالَ الدّارَقُطْنِيّ لَيْسَ بِالْقَوِيّ..فصل رَدّ السّلَامِ عَلَى الْمُرْسِلِ وَالْمُبَلّغِ: وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا بَلّغَهُ أَحَدٌ السّلَامَ عَنْ غَيْرِهِ أَنْ يَرُدّ عَلَيْهِ وَعَلَى الْمُبَلّغِ كَمَا فِي السّنَنِ أَنّ رَجُلًا قَالَ لَهُ إنّ أَبِي يُقْرِئُكَ السّلَامَ فَقَالَ لَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى أَبِيكَ السّلَامُ..تَرْكُ السّلَامِ ابْتِدَاءً وَرَدّا عَلَى مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا: وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ تَرْكُ السّلَامِ ابْتِدَاءً وَرَدّا عَلَى مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا حَتّى يَتُوبَ مِنْهُ كَمَا هَجَرَ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ وَصَاحِبَيْهِ، وَكَانَ كَعْبٌ يُسَلّمُ عَلَيْهِ وَلَا يَدْرِي هَلْ حَرّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدّ السّلَامِ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ وَسَلّمَ عَلَيْهِ عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ، وَقَدْ خَلّقَهُ أَهْلُهُ بِزَعْفَرَانٍ فَلَمْ يَرُدّ عَلَيْهِ فَقَالَ اذْهَبْ فَاغْسِلْ هَذَا عَنْك وَهَجَرَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ شَهْرَيْنِ وَبَعْضَ الثّالِثِ لَمّا قَالَ لَهَا: أَعْطِي صَفِيّةَ ظَهْرًا لَمّا اعْتَلّ بَعِيرُهَا فَقَالَتْ أَنَا أُعْطِي تِلْكَ الْيَهُودِيّةَ؟ ذَكَرَهُمَا أَبُو دَاوُدَ..فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الِاسْتِئْذَانِ: وَصَحّ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ الِاسْتِئْذَانُ ثَلَاثٌ فَإِنْ أُذِنَ لَكَ وَإِلّا فَارْجِعْ وَصَحّ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ قَالَ إنّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ وَصَحّ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنّهُ أَرَادَ أَنْ يَفْقَأَ عَيْنَ الّذِي نَظَرَ إلَيْهِ مِنْ جُحْرٍ فِي حُجْرَتِهِ وَقَالَ إنّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ وَصَحّ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ لَوْ أَنّ امْرَأً اطّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إذْنٍ فَحَذَفْتَهُ بِحَصَاةٍ فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ جُنَاحٌ وَصَحّ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ مَنْ اطّلَعَ عَلَى قَوْمٍ فِي بَيْتِهِمْ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ، فَقَدْ حَلّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَئُوا عَيْنَهُ وَصَحّ عَنْهُ أَنّهُ قَالَ مَنْ اطّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ، فَفَقَئُوا عَيْنَهُ فَلَا دِيَةَ لَهُ وَلَا قِصَاصَ..التّسْلِيمُ قَبْلَ الِاسْتِئْذَانِ: وَصَحّ عَنْهُ التّسْلِيمُ قَبْلَ الِاسْتِئْذَانِ فِعْلًا وَتَعْلِيمًا، وَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ أَأَلِجُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِرَجُلٍ اُخْرُجْ إلَى هَذَا، فَعَلّمْهُ الِاسْتِئْذَانَ. فَقَالَ لَهُ قُلْ السّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ؟ فَسَمِعَهُ الرّجُلُ فَقَالَ السّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ؟ فَأَذِنَ لَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدَخَلَ وَلَمّا اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ عُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَهُوَ فِي مَشْرُبَتِهِ مُؤْلِيًا مِنْ نِسَائِهِ قَالَ السّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللّهِ، السّلَامُ عَلَيْكُمْ أَيَدْخُلُ عُمَر؟ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِكَلَدَةَ بْنِ حَنْبَلٍ لَمّا دَخَلَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُسَلّمْ ارْجِعْ فَقُلْ السّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُل؟ وَفِي هَذِهِ السّنَنِ رَدّ عَلَى مَنْ قَالَ وَيُقَدّمُ الِاسْتِئْذَانُ عَلَى السّلَامِ وَرَدّ عَلَى مَنْ قَالَ إنْ وَقَعَتْ عَيْنُهُ عَلَى صَاحِبِ الْمَنْزِلِ قَبْلَ دُخُولِهِ بَدَأَ بِالسّلَامِ وَإِنْ لَمْ تَقَعْ عَيْنُهُ عَلَيْهِ بَدَأَ بِالِاسْتِئْذَانِ وَالْقَوْلَانِ مُخَالِفَانِ لِلسّنّةِ..الِاسْتِئْذَانُ ثَلَاثًا: وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا اسْتَأْذَنَ ثَلَاثًا وَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ انْصَرَفَ وَهُوَ رَدّ عَلَى مَنْ يَقُولُ إنْ ظَنّ أَنّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا، زَادَ عَلَى الثّلَاثِ وَرَدّ عَلَى مَنْ قَالَ يُعِيدُهُ بِلَفْظٍ آخَرَ وَالْقَوْلَانِ مُخَالِفَانِ لِلسّنّةِ..فصل ذِكْرُ الْمُسْتَأْذِنِ مَا يَدُلّ عَلَيْهِ: وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ أَنّ الْمُسْتَأْذِنَ إذَا قِيلَ لَهُ مَنْ أَنْتَ؟ يَقُول: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ أَوْ يَذْكُرُ كُنْيَتَهُ أَوْ لَقَبَهُ وَلَا يَقُولُ أَنَا، كَمَا قَالَ جِبْرِيلُ لِلْمَلَائِكَةِ فِي لَيْلَةِ الْمِعْرَاجِ لَمّا اسْتَفْتَحَ بَابَ السّمَاءِ فَسَأَلُوهُ مَنْ؟ فَقَالَ جِبْرِيلُ. وَاسْتَمَرّ ذَلِكَ فِي كُلّ سَمَاءٍ سَمَاءٍ. وَكَذَلِكَ فِي الصّحِيحَيْنِ لَمّا جَلَسَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْبُسْتَانِ وَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَاسْتَأْذَنَ فَقَالَ مَنْ؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ، ثُمّ جَاءَ عُمَرُ، فَاسْتَأْذَنَ فَقَالَ مَنْ؟ قَالَ عُمَرُ ثُمّ عُثْمَانُ كَذَلِك الصّحِيحَيْنِ، عَنْ جَابِرٍ، أَتَيْتُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدَقَقْتُ الْبَابَ فَقَالَ مَنْ ذَا؟ فَقُلْت: أَنَا، فَقَالَ أَنَا أَنَا، كَأَنّهُ كَرِهَهَا وَلَمّا اسْتَأْذَنَتْ أُمّ هَانِئٍ، قَالَ لَهَا: مَنْ هَذِهِ؟ قَالَتْ أُمّ هَانِئٍ فَلَمْ يَكْرَهْ ذِكْرَهَا الْكُنْيَةَ وَكَذَلِكَ لَمّا قَالَ لِأَبِي ذَرّ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ أَبُو ذَر وَكَذَلِكَ لَمّا قَالَ لِأَبِي قَتَادَةَ مَنْ هَذَا؟ قَالَ أَبُو قَتَادَةَ..فصل رَسُولُ الرّجُلِ إلَى الرّجُلِ إذْنُهُ: أَبُو دَاوُدَ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: رَسُولُ الرّجُلِ إلَى الرّجُلِ إذْنُهُ وَفِي لَفْظٍ إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى طَعَامٍ، ثُمّ جَاءَ مَعَ الرّسُولِ فَإِنّ ذَلِكَ إذْنٌ لَهُ وَهَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ مَقَالٌ قَالَ أَبُو عَلِيّ اللّؤْلُؤِيّ: أَبَا دَاوُدَ يَقُولُ قَتَادَةُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِي رَافِعٍ. وَقَالَ الْبُخَارِيّ فِي صَحِيحِهِ: وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هُوَ إذْنُهُ فَذَكَرَهُ تَعْلِيقًا لِأَجْلِ الِانْقِطَاعِ فِي إسْنَادِهِ. وَذَكَرَ الْبُخَارِيّ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثًا يَدُلّ عَلَى أَنّ اعْتِبَارَ الِاسْتِئْذَانِ بَعْدَ الدّعْوَةِ وَهُوَ حَدِيثُ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ دَخَلْتُ مَعَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَوَجَدْتُ لَبَنًا فِي قَدَحٍ فَقَالَ اذْهَبْ إلَى أَهْلِ الصّفّةِ فَادْعُهُمْ إلَيّ قَالَ فَأَتَيْتُهُمْ فَدَعَوْتُهُمْ فَأَقْبَلُوا، فَاسْتَأْذَنُوا، فَأَذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا وَقَدْ قَالَتْ طَائِفَةٌ بِأَنّ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى حَالَيْنِ فَإِنْ جَاءَ الدّاعِي عَلَى الْفَوْرِ مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ لَمْ يَحْتَجْ إلَى اسْتِئْذَانٍ وَإِنْ تَرَاخَى مَجِيئُهُ عَنْ الدّعْوَةِ وَطَالَ الْوَقْتُ احْتَاجَ إلَى اسْتِئْذَانٍ. وَقَالَ آخَرُونَ إنْ كَانَ عِنْدَ الدّاعِي مَنْ قَدْ أَذِنَ لَهُ قَبْلَ مَجِيءِ الْمَدْعُوّ لَمْ يَحْتَجْ إلَى اسْتِئْذَانٍ آخَرَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَنْ قَدْ أَذِنَ لَهُ لَمْ يَدْخُلْ حَتّى يَسْتَأْذِنَ. وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا دَخَلَ إلَى مَكَانٍ يُحِبّ الِانْفِرَادَ فِيهِ أَمَرَ مَنْ يُمْسِكُ الْبَابَ فَلَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهِ أَحَدٌ إلّا بِإِذْنٍ..فصل اسْتِئْذَانُ الْمَمَالِيكِ وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ فِي الْعَوْرَاتِ الثّلَاثِ: وَأَمّا الِاسْتِئْذَانُ الّذِي أَمَرَ اللّهُ بِهِ الْمَمَالِيكَ وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ فِي الْعَوْرَاتِ الثّلَاثِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَوَقْتَ الظّهِيرَةِ وَعِنْدَ النّوْمِ فَكَانَ ابْنُ عَبّاسٍ يَأْمُرُ بِهِ وَيَقُولُ تَرَكَ النّاسُ الْعَمَلَ بِهَا، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ الْآيَةُ مَنْسُوخَةٌ وَلَمْ تَأْتِ بِحُجّةٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أَمْرُ نَدْبٍ وَإِرْشَادٍ لَا حَتْمٍ وَإِيجَابٍ وَلَيْسَ مَعَهَا مَا يَدُلّ عَلَى صَرْفِ الْأَمْرِ عَنْ ظَاهِرِهِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ الْمَأْمُورُ بِذَلِكَ النّسَاءُ خَاصّةً وَأَمّا الرّجَالُ فَيَسْتَأْذِنُونَ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ وَهَذَا ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ فَإِنّ جَمْعَ الّذِينَ لَا يَخْتَصّ بِهِ الْمُؤَنّثُ وَإِنْ جَازَ إطْلَاقُهُ عَلَيْهِنّ مَعَ الذّكُورِ تَغْلِيبًا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ عَكْسَ هَذَا: إنّ الْمَأْمُورَ بِذَلِكَ الرّجَالُ دُونَ النّسَاءِ نَظَرًا إلَى لَفْظِ الّذِينَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَلَكِنْ سِيَاقُ الْآيَةِ يَأْبَاهُ فَتَأَمّلْهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَانَ الْأَمْرُ بِالِاسْتِئْذَانِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِلْحَاجَةِ ثُمّ زَالَتْ وَالْحُكْمُ إذَا ثَبَتَ بِعِلّةٍ زَالَ بِزَوَالِهَا، فَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ أَنّ نَفَرًا مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ قَالُوا لِابْنِ عَبّاسٍ يَا ابْنَ عَبّاسٍ كَيْفَ تَرَى هَذِهِ الْآيَةَ الّتِي أُمِرْنَا فِيهَا بِمَا أُمِرْنَا، وَلَا يَعْمَلُ بِهَا أَحَدٌ {يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} الْآيَةُ [النّورُ 58]. فَقَالَ ابْنُ عَبّاسٍ: إنّ اللّهَ حَكِيمٌ رَحِيمٌ بِالْمُؤْمِنِينَ يُحِبّ السّتْرَ، وَكَانَ النّاسُ لَيْسَ لِبُيُوتِهِمْ سُتُورٌ وَلَا حِجَالٌ فَرُبّمَا دَخَلَ الْخَادِمُ أَوْ الْوَلَدُ أَوْ يَتِيمَةُ الرّجُلِ وَالرّجُلُ عَلَى أَهْلِهِ فَأَمَرَهُمْ اللّهُ بِالِاسْتِئْذَانِ فِي تِلْكَ الْعَوْرَاتِ فَجَاءَهُمْ اللّهُ بِالسّتُورِ وَالْخَيْرِ فَلَمْ أَرَ أَحَدًا يَعْمَلُ بِذَلِكَ بَعْدُ وَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُهُمْ ثُبُوتَ هَذَا عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، وَطَعَنَ فِي عِكْرِمَةَ وَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا، وَطَعَنَ فِي عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطّلِبِ، وَقَدْ احْتَجّ بِهِ صَاحِبَا الصّحِيحِ فَإِنْكَارُ هَذَا تَعَنّتٌ وَاسْتِبْعَادٌ لَا وَجْهَ لَهُ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ الْآيَةُ مُحْكَمَةٌ عَامّةٌ لَا مُعَارِضَ لَهَا وَلَا دَافِعَ وَالْعَمَلُ بِهَا وَاجِبٌ وَإِنْ تَرَكَهُ أَكْثَرُ النّاسِ. كَانَ هُنَاكَ مَا يَقُومُ مَقَامَ الِاسْتِئْذَانِ مِنْ فَتْحِ بَابٍ فَتْحُهُ دَلِيلٌ عَلَى الدّخُولِ أَوْ رَفْعِ سِتْرٍ أَوْ تَرَدّدِ الدّاخِلِ وَالْخَارِجِ وَنَحْوِهِ أَغْنَى ذَلِكَ عَنْ الِاسْتِئْذَانِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ فَلَا بُدّ مِنْهُ وَالْحُكْمُ مُعَلّلٌ بِعِلّةٍ قَدْ أَشَارَتْ إلَيْهَا الْآيَةُ فَإِذَا وُجِدَتْ وُجِدَ الْحُكْمُ وَإِذَا انْتَفَتْ انْتَفَى، وَاللّهُ أَعْلَمُ..فَصْلٌ فِي هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي أَذْكَارِ الْعُطَاسِ: ثَبَتَ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ اللّهَ يُحِبّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التّثَاؤُبَ، فَإِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ وَحَمِدَ اللّهَ كَانَ حَقّا عَلَى كُلّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللّهُ، وَأَمّا التّثَاؤُبُ فَإِنّمَا هُوَ مِنْ الشّيْطَانِ فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدّهُ مَا اسْتَطَاَع، فَإِنّ أَحَدَكُمْ إذَا تَثَاءَبَ ضَحِكَ مِنْهُ الشّيْطَانُ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ. وَثَبَتَ عَنْهُ فِي صَحِيحِهِ: إذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ الْحَمْدُ لِلّهِ وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ يَرْحَمُكَ اللّهُ، فَإِذَا قَالَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللّهُ، فَلْيَقُلْ يَهْدِيكُمْ اللّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ وَفِي الصّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ: أَنّهُ عَطَسَ عِنْدَهُ رَجُلَانِ فَشَمّتَ أَحَدَهُمَا، وَلَمْ يُشَمّتْ الْآخَرَ فَقَال الّذِي لَمْ يُشَمّتْهُ عَطَسَ فُلَانٌ فَشَمّتَهُ وَعَطَسْتُ فَلَمْ تُشَمّتْنِي، فَقَالَ هَذَا حَمِدَ اللّهَ وَأَنْتَ لَمْ تَحْمَدْ اللّهَ وَثَبَتَ عَنْهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: إذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَحَمِدَ اللّهَ فَشَمّتُوهُ، فَإِنْ لَمْ يَحْمَدْ اللّهَ فَلَا تُشَمّتُوهُ وَثَبَتَ عَنْهُ فِي صَحِيحِهِ: مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ حَقّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتّ: إذَا لَقِيته، فَسَلّمْ عَلَيْهِ وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ وَإِذَا عَطَسَ وَحَمِدَ اللّهَ فَشَمّتْهُ وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ وَإِذَا مَاتَ فَاتْبَعْهُ وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ الْحَمْدُ لِلّهِ عَلَى كُلّ حَالٍ وَلْيَقُلْ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ يَرْحَمُكَ اللّهُ، وَلْيَقُلْ هُوَ يَهْدِيكُمْ اللّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُم وَرَوَى التّرْمِذِيّ، أَنّ رَجُلًا عَطَسَ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ، فَقَالَ الْحَمْدُ لِلّهِ وَالسّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ. فَقَال ابْنُ عُمَرَ وَأَنَا أَقُولُ الْحَمْدُ لِلّهِ وَالسّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَيْسَ هَكَذَا عَلّمَنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَكِنْ عَلّمَنَا أَنْ نَقُولَ الْحَمْدُ لِلّهِ عَلَى كُلّ حَال وَذَكَرَ مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ كَانَ إذَا عَطَسَ فَقِيلَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللّه، قَالَ يَرْحَمُنَا اللّهُ وَإِيّاكُمْ وَيَغْفِرُ لَنَا وَلَكُم..حُكْمُ التّشْمِيتِ: فَظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْمَبْدُوءِ بِهِ أَنّ التّشْمِيتَ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى كُلّ مَنْ سَمِعَ الْعَاطِسَ يَحْمَدُ اللّهَ وَلَا يُجْزِئُ تَشْمِيتُ الْوَاحِدِ عَنْهُمْ وَهَذَا أَحَدُ قَوْلَيْ الْعُلَمَاءِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ، وَأَبُو بَكْرٍ بْنُ الْعَرَبِيّ الْمَالِكِيّانِ، وَلَا دَافِعَ لَهُ..لَيْسَ مَحَلّ السّلَامِ عِنْدَ الْعُطَاسِ: وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ: أَنّ رَجُلًا عَطَسَ عِنْدَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ السّلَامُ عَلَيْكُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَلَيْكَ السّلَامُ وَعَلَى أُمّكَ ثُمّ قَالَ إذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَحْمَدْ اللّهَ قَالَ فَذَكَرَ بَعْضَ الْمَحَامِدِ وَلْيَقُلْ لَهُ مَنْ عِنْدَهُ يَرْحَمُكَ اللّهُ، وَلْيَرُدّ- يَعْنِي عَلَيْهِمْ- يَغْفِرُ اللّهُ لَنَا وَلَكُم وَفِي السّلَامِ عَلَى أُمّ هَذَا الْمُسَلّمِ نُكْتَةٌ لَطِيفَةٌ وَهِيَ إشْعَارُهُ بِأَنّ سَلَامَهُ قَدْ وَقَعَ فِي غَيْرِ مَوْقِعِهِ اللّائِقِ بِهِ كَمَا وَقَعَ هَذَا السّلَامُ عَلَى أُمّهِ فَكَمَا أَنّ سَلَامَهُ هَذَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ كَذَلِكَ سَلَامُهُ هُوَ..مَعَانِي كَلِمَةِ أُمّي: وَنُكْتَةٌ أُخْرَى أَلْطَفُ مِنْهَا، وَهِيَ تَذْكِيرُهُ بِأُمّهِ وَنَسَبِهِ إلَيْهَا، فَكَأَنّهُ أُمّيّ مَحْضٌ أَحَدُ الْأَقْوَالِ فِي الْأُمّيّ أَنّهُ الْبَاقِي عَلَى نِسْبَتِهِ إلَى الْأُمّ. وَأَمّا النّبِيّ الْأُمّيّ: فَهُوَ الّذِي لَا يُحِسنُ الْكِتَابَةَ وَلَا يَقْرَأُ الْكِتَابَ. وَأَمّا الْأُمّيّ الّذِي لَا تَصِحّ الصّلَاةُ خَلْفَهُ فَهُوَ الّذِي لَا يُصَحّحُ الْفَاتِحَةَ وَلَوْ كَانَ عَالِمًا بِعُلُومٍ كَثِيرَةٍ. وَنَظِيرُ ذِكْرِ الْأُمّ هَاهُنَا ذِكْرُ هَنِ الْأَبِ لِمَنْ تَعَزّى بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيّةِ فَيُقَالُ لَهُ اعضُضْ هَنَ أَبِيكَ وَكَانَ ذِكْرُ هَنِ الْأَبِ هَاهُنَا أَحْسَنَ تَذْكِيرًا لِهَذَا الْمُتَكَبّرِ بِدَعْوَى الْجَاهِلِيّةِ بِالْعُضْوِ الّذِي خَرَجَ مِنْهُ وَهُوَ هَنُ أَبِيهِ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَعَدّى طَوْرَهُ كَمَا أَنّ ذِكْرَ الْأُمّ هَاهُنَا أَحْسَنُ تَذْكِيرًا لَهُ بِأَنّهُ بَاقٍ عَلَى أُمّيّتِهِ. وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِ رَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ..عِلّةُ الْحَمْدِ بَعْدَ الْعُطَاسِ: مَعْنَى التّشْمِيتِ:وَلَمّا كَانَ الْعَاطِسُ قَدْ حَصَلَتْ لَهُ بِالْعُطَاسِ نِعْمَةٌ وَمَنْفَعَةٌ بِخُرُوجِ الْأَبْخِرَةِ الْمُحْتَقِنَةِ فِي دِمَاغِهِ الّتِي لَوْ بَقِيَتْ فِيهِ أَحْدَثَتْ لَهُ أَدْوَاءً عَسِرَةً شُرِعَ لَهُ حَمْدُ اللّهِ عَلَى هَذِهِ النّعْمَةِ مَعَ بَقَاءِ أَعْضَائِهِ عَلَى الْتِئَامِهَا وَهَيْئَتِهَا بَعْدَ هَذِهِ الزّلْزَلَةِ الّتِي هِيَ لِلْبَدَنِ كَزَلْزَلَةِ الْأَرْضِ لَهَا، وَلِهَذَا يُقَالُ سَمّتَهُ وَشَمّتَهُ بِالسّينِ وَالشّينِ فَقِيلَ هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ. قَالَ وَكُلّ دَاعٍ بِخَيْرٍ فَهُوَ مُشَمّتٌ وَمُسَمّتٌ. وَقِيلَ بِالْمُهْمَلَةِ دُعَاءٌ لَهُ بِحُسْنِ السّمْتِ وَبِعَوْدِهِ إلَى حَالَتِهِ مِنْ السّكُونِ وَالدّعَةِ فَإِنّ الْعُطَاسَ يُحْدِثُ فِي الْأَعْضَاءِ حَرَكَةً وَانْزِعَاجًا. وَبِالْمُعْجَمَةِ دُعَاءٌ لَهُ بِأَنْ يَصْرِفَ اللّهُ عَنْهُ مَا يُشَمّتُ بِهِ أَعْدَاءَهُ فَشَمّتَهُ إذَا أَزَالَ عَنْهُ الشّمَاتَةَ كقَرّدَ الْبَعِيرَ إذَا أَزَالَ وَقِيلَ هُوَ دُعَاءٌ لَهُ بِثَبَاتِهِ عَلَى قَوَائِمِهِ فِي طَاعَةِ اللّهِ مَأْخُوذٌ مِنْ الشّوَامِتِ وَهِيَ الْقَوَائِمُ. وَقِيلَ هُوَ تَشْمِيتٌ لَهُ بِالشّيْطَانِ لِإِغَاظَتِهِ بِحَمْدِ اللّهِ عَلَى نِعْمَةِ الْعُطَاسِ وَمَا حَصَلَ لَهُ بِهِ مِنْ مُحَابّ اللّهِ فَإِنّ اللّهَ يُحِبّهُ فَإِذَا ذَكَرَ الْعَبْدُ اللّهَ وَحَمِدَهُ سَاءَ ذَلِكَ الشّيْطَانُ مِنْ وُجُوهٍ مِنْهَا: نَفْسُ الْعُطَاسِ الّذِي يُحِبّهُ اللّهُ وَحَمْدُ اللّهِ عَلَيْهِ وَدُعَاءُ الْمُسْلِمِينَ لَهُ بِالرّحْمَةِ وَدُعَاؤُهُ لَهُمْ بِالْهِدَايَةِ وَإِصْلَاحُ الْبَالِ وَذَلِك كُلّهُ غَائِظٌ لِلشّيْطَانِ مُحْزِنٌ لَهُ فَتَشْمِيتُ الْمُؤْمِنِ بِغَيْظِ عَدُوّهِ وَحُزْنِهِ وَكَآبَتِهِ فَسُمّيَ الدّعَاءُ لَهُ بِالرّحْمَةِ تَشْمِيتًا لَهُ لِمَا فِي ضِمْنِهِ مِنْ شَمَاتَتِهِ بِعَدُوّهِ وَهَذَا مَعْنًى لَطِيفٌ إذَا تَنَبّهَ لَهُ الْعَاطِسُ وَالْمُشَمّتُ انْتَفَعَا بِهِ وَعَظُمَتْ عِنْدَهُمَا مَنْفَعَةُ نِعْمَةِ الْعُطَاسِ فِي الْبَدَنِ وَالْقَلْبِ وَتَبَيّنَ السّرّ فِي مَحَبّةِ اللّهِ لَهُ فَلِلّهِ الْحَمْدُ الّذِي هُوَ أَهْلُهُ كَمَا يَنْبَغِي لِكَرِيمِ وَجْهِهِ وَعِزّ جَلَالِهِ..فصل آدَابُ الْعُطَاسِ: وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْعُطَاسِ مَا ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتّرْمِذِيّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا عَطَسَ وَضَعَ يَدَهُ أَوْ ثَوْبَهُ عَلَى فِيهِ وَخَفَضَ أَوْ غَضّ بَهْ صَوْتَه قَالَ التّرْمِذِيّ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَيُذْكَرُ عَنْهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّ التَثَاؤُبَ الشّدِيدَ وَالْعَطْسَةَ الشّدِيدَةَ مِنْ الشّيْطَانِ وَيُذْكَرُ عَنْهُ إنّ اللّهَ يَكْرَهُ رَفْعَ الصّوْتِ بِالتّثَاؤُبِ وَالْعُطَاسِ..مَتَى يُقْطَعُ التّشْمِيتُ: وَصَحّ عَنْهُ إنّهُ عَطَسَ عِنْدَهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللّهُ. ثُمّ عَطَسَ أُخْرَى، فَقَالَ الرّجُلُ مَزْكُومٌ. هَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ أَنّهُ قَالَ فِي الْمَرّةِ الثّانِيَةِ وَأَمّا التّرْمِذِيّ: فَقَالَ فِيهِ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ: عَطَسَ رَجُلٌ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَنَا شَاهِدٌ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَرْحَمُكَ اللّهُ، ثُمّ عَطَسَ الثّانِيَةَ وَالثّالِثَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَذَا رَجُلٌ مَزْكُومٌ. قَالَ التّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ شَمّتْ أَخَاكَ ثَلَاثًا، فَمَا زَادَ، فَهُوَ زُكَامٌ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ سَعِيدٍ قَالَ لَا أَعْلَمُهُ إلّا أَنّهُ رَفَعَ الْحَدِيثَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَعْنَاهُ. قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ قَيْسٍ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ انْتَهَى. وَمُوسَى بْنُ قَيْسٍ هَذَا الّذِي رَفَعَهُ هُوَ الْحَضْرَمِيّ الْكُوفِيّ يُعْرَفُ بِعُصْفُورِ الْجَنّةِ. قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: ثِقَةٌ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرّازِيّ: لَا بَأْسَ بِهِ. وَذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ الزّرَقِيّ، عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ تُشَمّتُ الْعَاطِسَ ثَلَاثًا، فَإِنْ شِئْتَ فَشَمّتْهُ وَإِنْ شِئْتَ فَكُف وَلَكِنْ لَهُ عِلّتَانِ إحْدَاهُمَا: إرْسَالُهُ فَإِنّ عُبَيْدًا هَذَا لَيْسَتْ لَهُ صُحْبَةٌ وَالثّانِيَةُ أَنّ فِيهِ أَبَا خَالِدٍ يَزِيدَ بْنَ عَبْدِ الرّحْمَنِ الدّالَانِيّ، وَقَدْ تُكُلّمَ فِيهِ. أَبِي هُرَيْرَةَ يَرْفَعُهُ إذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيُشَمّتْهُ جَلِيسُهُ فَإِنْ زَادَ عَلَى الثّلَاثَةِ فَهُوَ مَزْكُومٌ وَلَا تُشَمّتْهُ بَعْدَ الثّلَاثِ وَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ حَدِيثُ أَبِي دَاوُدَ الّذِي قَالَ فِيهِ رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ قَيْسٍ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ. فَإِنْ قِيلَ إذَا كَانَ بَهْ زُكَامٌ فَهُوَ أَوْلَى أَنْ يُدْعَى لَهُ مِمّنْ لَا عِلّةَ بِهِ؟ قِيلَ يُدْعَى لَهُ كَمَا يُدْعَى لِلْمَرِيضِ وَمَنْ بِهِ دَاءٌ وَوَجَعٌ. وَأَمّا سُنّةُ الْعُطَاسِ الّذِي يُحِبّهُ اللّهُ وَهُوَ نِعْمَةٌ وَيَدُلّ عَلَى خِفّةِ الْبَدَنِ وَخُرُوجِ الْأَبْخِرَةِ الْمُحْتَقِنَةِ فَإِنّمَا يَكُونُ إلَى تَمَامِ الثّلَاثِ وَمَا زَادَ عَلَيْهَا يُدْعَى لِصَاحِبِهِ بِالْعَافِيَةِ. وَقَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الرّجُلُ مَزْكُومٌ تَنْبِيهٌ عَلَى الدّعَاءِ لَهُ بِالْعَافِيَةِ لِأَنّ الزّكْمَةَ عِلّةٌ وَفِيهِ اعْتِذَارٌ مِنْ تَرْكِ تَشْمِيتِهِ بَعْدَ الثّلَاثِ وَفِيهِ تَنْبِيهٌ لَهُ عَلَى هَذِهِ الْعِلّةِ لِيَتَدَارَكَهَا وَلَا يُهْمِلُهَا، فَيَصْعُبُ أَمْرُهَا، فَكَلَامُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كُلّهُ حِكْمَةٌ وَرَحْمَةٌ وَعِلْمٌ وَهُدًى.
|